الشعر بلا قصد

 

 

لكتابة عيسى مخلوف رائحة المشاعر المستعملة في القلب. كتابة الحزن الجميل، وبطء الدم والشحوب الرمادي. كتابة نجهل عمرها، سواء الجديد منها "رسالة إلى الأختين" أو أي من إصدارات مخلوف السابقة. حين تدخل عالم كتابته، تغدو بدورك رحباً وشاسعاً، وبلا عمر محدد.

يكتب مخلوف في البحث عن الهواء، ولكي لا يختنق. هذا ما يريده من الكتابة، وما يتشبث به حدّ الإيلام. كتابة غير صامتة، لا تهاب المغامرة، تخوض في المسافات المهجورة وفي الأمكنة الممزقة قلوبها. مقاربات عابر سبيل في العالم، ومتجذر في الإصابة العميقة، وفي الوجد، وفي الانتظارات التي لا ترحم، والمنمنمة بالورد مع ذلك.

يكتب عيسى مخلوف الشعر دون تقصده. ويكتب النثر بالطريقة التي تستأذن الشعر، دون إرباكات وحشية الاختيار. بالتداعي اللطيف للمسافرين البعيدين، يؤكد على الشعر ككائن فريد، دون خيانة التمهل النموذجي، الواقف بين النثر والشعر.

(...) بالحرص ذاته لباريس، الصارم جداً والروحي جداً، يكتب مخلوف وتعمل كتاباته على إيقاع الزمن كله، إيقاع عوالم ليست تحصى. خلسة تتقدم كتابته، لكن بقوة روحية شديدة، قوة الأشياء الناحلة حيال ضجيج الخارج.

العلاقة بين النثر والشعر في كتابته، لا نراها في الشكل الذي يستشفه المتحاذقون، بل نراها في الكلمات نفسها التي يكتبها، في الحالة، في الغوص والعوم للمشاعر الثمينة، وفي الذهاب بعيدا في غاية الشعر.

رهيب هو جمال عالم مخلوف الكتابي، ومروّع، شفيف وملتاع ولا تسبر له غور وفيه فراديس وأحلام وأسئلة ومطر وألوان في تدرجها، وألوان ليست تُرى. كتابة لا تتحاذق ولا يُثقلها الفكر، لكنها تُمعن في التفكير. عديدة هي المعاني خلف سلاسة السطور النبيلة. خلف الحب شامخ الفؤاد ويتقلب على غصات البعد ويضنيه الحنين إلى المثال الجميل عن وطن جميل، على نحو ما كان أيام براءته اليافعة.

 

عناية جابر

")السفير"، 31 كانون الثاني/ يناير 2005(