كتاب الساعات

 


هل للسراب عين؟ للسراب مركز، بالتأكيد. وفي كل مركز، ثمة عين فعلاً. عين تنفتح في اندهاش على أشياء هذا العالم وعلى حدس النفس. تراقب وترى، ولو من طريق الحلم، ما يجري وما لا يجري. عين تنغلق على نورها الداخلي. عين على شفير أن تتكوّن فيها، أحياناً، دمعة: دمعة الانفعال المفتون. دمعة الألم المتمالك والمكتوم. الألم على ما كان، أو ما ضاع في صورة نهائية
كل ذلك يطالعنا في كتاب عيسى مخلوف، هذا الكتاب الصافي والذي يثير الرعشة في النفس. إنه كتاب الساعات على غرار كتب الصلوات القديمة. كتاب اللحظات الضائعة لكن المضمومة والمستعادة، برهة قبل غيابها، من خلال الكتابة -هذه الكتابة العذبة والنضرة كماء نبع تظلّله، هنا وهناك، خضرة تتمايل فوقه.

يوميات سَفَر، وهو سَفَر سري كأنه معاينة دقيقة للوضع الذهني والنفسي لرجل، لكاتب يتساءل بعدما وصل إلى منتصف العمر: مَن أنا؟ ما العالم؟ ما الحياة والموت؟ ما الارض؟ ما هذا الحب المبلل بمطر حنون؟ وما هذه الألوهة الحاضرة في أعماق النفس، تضيء قليلاً هذه الخسارة الخطرة والمكتسية طابعاً كونياً؟ وهي تأخذنا في سباقها الغريب نحو العدم، نحو ما قد لا يكون عدماً.

كتاب عيسى مخلوف هو كل ذلك في آن واحد. جبران خليل جبران كان وقع في عشق هذا الكتاب، وكذلك خورخي لويس بورخس. كاتبان يعرفهما كاتبنا تمام المعرفة.

إن الآداب العربية المعاصرة التي هي، في الغالب، نتيجة تصعيد ثقافي أو عاطفي، تفتقد هذا النوع من الكتابة الداخلية الحميمة، المؤلفة من ضوء وظل متداخلين، حيث الشغف يقال في صوت خفيض، وحيث نتقدم مع من نبوح له وهو القارئ ذاته
يكتب عيسى مخلوف ليقرّ لنا بأن سر العالم، في ما وراء الاندهاش والفتنة، قد لا يكون إلاّ صورة للكآبة. يكتب ليجعل كل قارئ من قرّائه 

قريباً له وصديقاً.

 

صلاح ستيتيه

)مقطع"صحيفة "النهار"، 2001(