قدام باب السفارة، كان الليل طويل" عمل شبابي موسيقي مغنّى...

نضال الأشقر وعيسى مخلوف "يعرّيان" الواقع اللبناني مسرحياً

 

 

 

تضع المخرجة اللبنانية نضال الأشقر في مسرحيتها الجديدة «قدام باب السفارة، كان الليل طويل» (كتابة الأشقر وعيسى مخلوف)، يدها على مشكلة أساسية يعاني منها المجتمع اللبناني ألا وهو هجرة الشباب بين الواقع والخيال. واستطاعت من خلالها، فتح الباب على ما يدور حول هذا الموضوع من آفات اجتماعية متداخلة تبدأ بالصراع الطائفي والمذهبي، لتمتدّ الى الزواج المدني وجرائم الشرف والجهل والفقر.

واللافت في هذا العرض المعاصر الذي تابعنا تمريناته الأخيرة، أنه يطرح هذه المآسي على شكل دراما موسيقية مغناة نابعة من نبض الشباب اللبناني واختلافاته، منفّذة إخراجياً على طريقة بريشت وجون ليتلوود بأسلوب «نضالي» مميّز. وكأن العرض يعرّي الواقع بطريقة مَرِحة وسخرية ذكية خفّفت من الصدمة والحزن، خصوصاً أنه يحمل في طياته رموزاً سوداء كثيرة من يوميات اللبنانيين. وأتت الإيقاعات الموسيقية والعزف على العود والبزق والناي والغناء الحيّ مـن الموروث اللبناني والموال والراب على الخشبة، مؤدية وظيفتها الإخراجية الذكـية في تخفيف عبء الهموم التي يطرحها النص.

نتظار هو الأساس في المسرحية التي تعرض حالات الشباب اللبناني اليائس من معاناة بلده. لكن في الوقت نفسه لا يريد السفر، السفر قرار يأخذه رغماً عن إرادته. كما أنها تعرض لحكايات المهاجرين في الماضي والمستقبل والحاضر، والحلم بالهجرة.

سرحية التي ستفتتح الموسم الجديد لمناسبة مرور 15 سنة على تأسيس «مسرح المدينة» في بيروت، في 17 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، مختلفة عما قدّمته الأشقر خلال مسيرتها الريادية بدءاً من «المفتش العام» الى «3 نسوان طوال»، إلى «تصطفل ميريل ستريب» وغيرها. وتقول الأشقر التي تستقبلك بضحكة حماسية في مسرحها التي كافحت لإبقائه على قيد الحياة، «هذه المسرحية لا تشبه أي عمل آخر، هي مختلفة بلغة نصها السهل الممتنع الذي يتميّز به عيسى مخلوف، وبطريقة إخراجها التي تعتمد على الارتجال وأسلوبي المتأثر بأم المسرح الحديث في أوروبا جون ليتلوود».

وتصنّف الأشقر مسرحيتها في خانة المعاصرة والتجديد. وبالنسبة للرؤيا الإخراجية، اعتمدت الأشقر أسلوبها المميّز والخاص المصهور بتجربة الأكاديمية الملكية وأسلوب ليتلوود. وهو «أسلوب يعتمد الارتجال ومزج النص مع الحركة وتداخل الأمور لتبدو كأنها محض ارتجالية، على رغم أن كل خطوة تكون ممسمرة ومتقنة على الثانية والدقيقة».

وتشير المرأة التي لا تشيب في عملها أبداً، إلى أنها خلال الأشهر الثلاثة الماضية التي كانت منهمكة في ورشة عمل شاملة مع الممثلين الـ 14 الشباب، شعرت أنها في الـ 18 من عمرها. «اكتشفت أن الخبرة الطويلة في المسرح تصغّر بدل أن تكبّر، وتعيد الإنسان إلى حيويته وعزّ عطائه. أشعر كأنني أقوم بأول عمل لي»، تقول.

وكشفت أن اثنين فقط من بين الممثلين قاموا بأدوار تمثيلية محترفة هما ندى أبو فرحات وراوية الشاب. أما البقية، «فأصرّيت على اختيارهم من الشباب الموهوبين الخام الذين لم يشوّه أحد موهبتهم. فقد اخترتهم من بين 100 شاب وصبية خضعوا للاختبار، ومن ثم خضعوا لورشة عمل شاملة لينسجموا مع بعضهم البعض على الخشبة ويشكلون جسداً واحداً».

فكرة المسرحية وعنوانها كانتا في أدراج الأشقر منذ 10 سنوات. لكنها أضافت إلى «قدام باب السفارة» عبارة «كان الليل طويل» أثناء المعالجة الدرامية للمسرحية وتقطيعها.

تروي الأشقر: «كنت أبحث عن فكرة ونص لبنانيين مميّزين لمسرحيتي الجديدة التي أريد أن أفتتح بها الموسم الثقافي الجديد. فقال لي أحد الأصدقاء لماذا تبحثين وفكرتك عن «الهجرة» موجودة؟. فبدأت التفكير في الموضوع بجديّة عندما كنت في باريس، وكتبت النقاط الأولى على الكمبيوتر على رغم أن يدي اليمنى التي أكتب فيها كانت مكسورة». لكن الفكرة الأساسية أتت من خلال ولديّ نضال عمر وخالد نعيم وأصدقائهم الذين كانوا يملأون البيت علي فرحاً وبهجة. فجأة، اختفوا جميعاً بعد تخرّجهم من الجامعة، إذ توزّعوا بين أوروبا وأميركا والخليج».

وعندما قرّرت الأشقر المباشرة بالمسرحية، لجأت إلى مخلوف المقيم في باريس، ليقترح عليها أسماء تساعدها في كتابة النص، «لأنه لم يعد أحد يكتب نصاً مسرحياً الآن». أُعجب مخلوف بالفكرة، فتشجّع وقرّر الكتابة بنفسه، خصوصاً أنه جرّب الهجرة منذ التاسعة عشرة من عمره، إلى فنزويلا وفرنسا. وأكدت الأشقر أنها اختارت الدراما الموسيقية المغناة، لأن النص حزين، وكانت تريده أن يخاطب الشباب بلغتهم وجوّهم. فوظّفت موسيقى الراب التي يغنيها شابان من إحدى الفرق اللبنانية التي تلقى رواجاً منذ فترة.

وعن التجربة، قال مخلوف خلال مؤتمر صحافي عقده فريق العمل في بيروت مساء أول من أمس، إن «الكتابة عبر الأمكنة المتفرقة بين باريس وبيروت ممتعة. كنا نحكي حكاياتنا حول الهوية والحرب والمنفى والاغتراب، ونرويها لأنفسنا ونفاجأ بأنها حكاية الآخرين أيضاً».  واعتبر أن هذا العمل «مغناة خرجت من حنجرتين. الموضوع مأسوي لكن السخرية ساعدتنا على القبض على جمرة مشتعلة». وأفاد بأن «الضحك من الجرح الذي يؤلمنا كلبنانيين، كان شريكنا في الكتابة. إنها تجربة مسلية». واعترف مخلوف بذهوله من الطاقة التي تبذلها نضال الأشقر في العمل، والحيوية الخلاقة التي لم تستطع حروب المدينة النيل منها. واكتشف من خلال هذا العرض كيف أن «الفن العاجز أصلاً عن تغيير العالم، يستطيع تغيير النظرة إلى العالم»

دثت الأشقر عن أزمة يعاني منها النص المسرحي في لبنان، لأن «كتاب المسرح قلّة في الأصل، وزيادة على ذلك لا يكتبون». واعتبرت أنه لا فرق بين نص أجنبي وعربي، في حال كتب بطريقة جيّدة، لكنها تفضل النص العربي. وأشارت إلى أن النص الضعيف والمكتوب كتابة سيّئة وسطحية، لا يمكن أن تتناوله. وتؤكد أنها مستعدّة لإخراج نصوص لأي كان من الجيل الجديد، شرط أن يكون معالجاً بطريقة إبداعية.

ناسبة مرور 15 سنة على تأسيس «مسرح المدينة»، تستقبل خشبته بعد «قدام باب السفارة» مسرحية لأسامة العارف بعنوان «سقوط وهبوط الجنرال فرانكو». كما سيحتفي المسرح بالكاتب المسرحي سعدالله ونوس على مدى 10 أيام تقيم خلالها ابنته ديما معرضاً لصور والدها وكتبه الخاصة والنادرة. كما ستقدم المخرجة السورية نائلة الأطرش «أحلام شقية»، وسيعرض وسام عربجي «طقوس الإشارات والتحولات». أما الأشقر فتحضر لمسرحية جديدة غنائية مع عيسى مخلوف أيضاً، عن النصوص السومرية القديمة... ستعرض في عام 2010  باللغة الفصحى. وتجمع «سومر» نجوماً من الممثلين والشباب الجدد. وتأمل الأشقر أن ينفذ مع جوليا قصار وكارمن لبس وسمية بعلبكي وكارول سماحة وجاهدة وهبي. كما تحضّر لمسرحية بعنوان «عشر جمهوريات» وهو «عدد الجمهوريات اللبنانية حتى الآن».

يذكر أن «قدام باب السفارة الليل كان طويل» ستختتم فعاليات احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية في دار الأوبرا السورية، ثم ستفتتح مهرجان الربيع في البحرين، ثم تُعرض في كل من إمارة دبي وأبو ظبي والشارقة.

 

رنا نجار

")الحياة"، 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2008(